المشروع التغريبي: "ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما"
د. وليد بن محمد الشباني
"ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء"، تقرير من الحبيب صلى الله عليه وسلم لامته لكي لا تضل الطريق. وها نحن امام المشروع الغربي لاضعاف الأمة الاسلامية وهدم مقومات عزتها. هذا المشروع بُني على عدة دعائم من ابرزها صرف المرأة عن تعاليم واحكام الشريعة الاسلامية (تحرير على زعمهم)، ومناحي الهدم تكمن في عدة محاور منها ضرب مفهوم الحجاب الشرعي، ومفهوم اللباس في الاسلام، ومفهوم القرار في البيوت ومفهوم القوامة في الاسلام. وفي هذا المقام لن اتحدث عن احكام الشريعة الغراء المتعلقة بتلك المفاهيم، ولكن سوف أذكر بعض الممارسات في العالم الاسلامي في القديم والحديث، لكي نعرف مدى تأثير المشروع التغريبي على بلاد المسلمين. ويمكنك الرجوع الى الوراء فقط مائة سنة والنظر في احوال المسلمين وكيف كانت حياتهم وكيف أصبحت لتعلم أن الأمر جد خطير.
الحجاب في ديار الاسلام في شرق الارض غربها كان قبل مائة عام فقط يغطي جسد المرأة من اعلى رأسها وحتى اسفل قدمها، ولم يكن يظهر من المرأة الا عينها وشيئا من يدها لحاجتها. هذا الاجماع التطبيقي للمعنى الراسخ في قلوب المؤمنات لا يمكن أن يكون مرده تحكم العادات، فلا توجد عادة تحكم شرق اراضي المسلمين وغربها بهذا الشكل الملفت للانتباه، بحيث عرف عُرف عن نساء المسلمين ذلك. إن العادة بهذا الحجم والاتساع الجغرافي والبعد الزمني في تاريخ المسلمين لا تكون وتتبلور وتوجد بهذا العمق الا بسبب وجود اثر فكري ومعتقد راسخ لتعاليم حكمت تلك البلاد. إن عامة نساء المسلمين في مشارق الارض ومغاربها كن يخضعن لاحكام الاسلام التي ينقلها لهم العلماء من خلال توجيههن لمعنى الحجاب وحدوده والغرض منه.
كذلك، اللباس كان التطبيق العملي لاحكام اللباس ظاهرا في لباس المسلمين والمسلمات قبل هجمات الاستعمار، فتجد لباس الرجل ليس بالضيق الذي يحجم عورته وليس بالقصير أو المكشوف الذي يظهر مفاتنه وفتوته، وكذلك النساء بين النساء والمحارم لم يكن يلبسن القصير الفاضح للزينة، او الشفاف الذي يُرى منه مفاتن المرأة، او الضيق الذي يُحجم جسد المرأة.
كذلك حمل المشروع التغريبي على عاتقه اخراج المرأة من دارها، لما يؤول اليه ذلك من زرع الفتنة والرذيلة ونشرها بين اظهر المسلمين، فدعى الى عمل المرأة وحارب عزلها عن الرجال، بحجة عدم التمييز العنصري، أوالتمييز ضد المرأة. كما دعا الى مساواتها بالرجل مصورا المساواة وكأنها العلاج للظلم الذي تتعرض له المرأة في المجتمع. ولو نظرنا لواقع المسلمين قديما لما رأينا تلك الدعاوى، ولرأينا تطبيقا واقعيا لتعاليم الاسلام الذي كفل للمرأة كرامتها من خلال برها أما والرفق بها وحسن عشرتها زوجة ورحمتها وحسن معاملتها بنتا وأختا. ولم يُسطًر في تاريخ المسلمين دعاوى لرفع الظلم عن المرأة ومساواتها بالرجل الا بعد احتكاك المسلمين بالغرب وتأثر بعض المسلمين بالصراع الفكري الحاصل في بلاد الغرب بين الرجل والمرأة وكأن ذاك الصراع موجود في بلاد المسلمين.
إن من أخطر الامور على أمة الاسلام أن تتحول العبادات والسلوكيات والاحكام الاسلامية الى عادات خاوية من العلم والتقوى، بحيث ترى المسلمين والمسلمات يقومون بالشعائر الاسلامية ظنا منهم أنها عادات ورثوها عن آباءهم ولسان حالهم يقول "إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون". هذا الامر نتج عن تقصيرعلماء ودعاة المسلمين في نشر العلم الشرعي في أغلب بلاد المسلمين خلال القرن الماضي، فنتج عنه نشوء اجيال لا تعرف حقيقة دينها وأسرار احكام شريعتها، مما جعل من السهولة أن يتخلي المسلمون عن تلك العادات الشرعية تحت ضغط المشروع التغريبي وضغط ترسنته الاعلامية الضخمة وتسلط المنافقين على رقاب المسلمين، كما ساعد في ذلك تبني الهجمة الجاهلية (شرقية أو غربية) على بلاد المسلمين من قبل البرامج الاعلامية في بلاد المسلمين ومن خلال نشر الفتاوى من غير العلماء، ومن خلال بث المتشابه بين عامة المسلمين، ومن خلال كثرة الخلطة بالكافرين (سياحة وابتعاث...) ، واستلطاف طرائق عيشهم مع ضعف شديد في مدافعة ذلك من قبل علماء الامة والغيورين عليها.
لكن ... البشارة لكم ، فالمشروع التغريبي الذي يجتاح بلاد المسلمين لا ولن تقوم له قائمة ما دام فينا من يظهر تنوع احكام الاسلام الاجتماعية والاقتصادية التي تنظم علاقة المرأة بالرجل وعلاقة المرأة بالمرأة واظهرنا حسن تكامل تلك الاحكام بشكل يبين أن هذا الدين من لدن حكيم عليم، وما دام فينا من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو للخير، ولنبث في مجتمعنا احكام سورة النساء والنور، لان الله تعالى قال:" إن كيد الشيطان كان ضعيفا".