القدر سر الله المكنون
.::مركز الإحتراف المحاسبي للتدريب::.

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،

القدر سر الله في خلقه كما ذكر ذلك الامام احمد بن حنبل رحمة الله تعالى. فلنبحر سويا مع ايات تناولت القدر بطريقة جميلة بعيدا عن تعقيدات كتب العقائد وذلك في سورة الانعام. يقول الله تبارك وتعالى:"إن الحكم الا لله، يقص الحق وهو خير الفاصلين". القدر هو حكم الله الناطق بحكمته وحسن تدبيره، فهو من خلق وقدر الارزاق والاحداث وجعل كل ذلك لحكمة الابتلاء والاختبار، قال الله تعالى:"الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا". 
اعقب الله تبارك وتعالى اية الانعام بقوله:"وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو، ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين". شملت هذه الاية على علم الله الذي هو من مقتضيات الايمان بالقدر، فشملت انواع العلوم والمعارف القبلية والآنية والبعدية، وما كان وما سيكون وما لم يكن ولو كان كيف يكون. هذه الاية تبين مالا يفطن له كثير من الناس عن عظيم علم الله وشموله ودقته. فبدأ بذكر علمه بالغيب وهو علم واسع فريد، ولتأكيد مدى عمق وشدة غيبيته، اخبر ان مفاتيح الغيب عنده وملكه، فالغيب في حفظ وصون من جميع المخلوقات وذلك حتى لا يتجرأ احد ويتبجح بادعاء علم الغيب فهو سر الله وحكمته. ثم ثنى بعلم الشهادة وما حوته من موجودات في البر والبحر، فثلث بعلمه بحركة المقيدات والمنجذبات وما يقابلها من حركة المتحررات والمنطلقات فمثل لذلك سقوط الورقة المقيدة بالغصن عن تحرره منه وانجذابها للارض بالسقوط، وهو علم عزيز لا يدرك مداه الا الخلاق العليم، ثم ربع بعد ذلك بعلم الغائبات الساكنات التي يخلق فيها الحركة عند احيائها، ومثل لذلك بالحبة الساكنة في ظلمات الارض، ثم خمس بالرطب واليابس وهو اشارة لعلمه بمواطن الحياة والموت مهما ضعفت اسباب الحياة او الموت. ايماننا بالقدر خيره وشره يستلزم الايمان بعلم الله الازلي بجميع تلك الامور والاحوال وانه هو من خلقها وقدرها واحسن تدبيرها بحكمة الخلاق ذو القوة المتين. كما بين سبحانه وتعالى في ختام تقريره لعلمه الازلي المتنوع، ان كل ما يعلمه من احوال الدنيا والمآلات في كتاب مبين وهو اللوح المحفوظ.
أعقب ذلك ربنا تبارك وتعالى تقريرا لحقائق الايمان ومنه القدر بقوله:" وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى اجل مسمى" ليبين لنا انواع الافعال الانسانية الارادية وغير الارادية، كلها من خلق الله قال تعالى:"خلقكم وما تعملون"، لكن منها ما هو من اختيارنا وارادتنا ومنها ما هو خارج عن ارادتنا. وتأكيدا لذلك، قال الله تعالى بعدها:" وهو القاهر فوق عباده، ويرسل عليكم حفظة حتى اذا جاء احدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون" فبين أنه قاهر فوق عباده، فلا سلطان لاحد على نومك او دقات قلبك مثلا، الا ما يأذن بجريانه وكينونته من خلال الحفظة الكرام البرره، فهم من يقوم على تنفيذ اقدار الله كما ارادها الله.
ثم بين سبحانه وتعالى بعضا من حكمته واختيارات عباده بعدها بقوله:" قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن انجانا من هذه لنكونن من الشاكرين"، لاحظ اقدار الله الكونية التي تصيب العبد بقوله:" من ينجيكم من ظلمات البر والبحر" وهي موطن الابتلاء من ناحية اختيار العبد لردود فعله تجاهها (صبر او كفر)، ثم لاحظ ذكره جل وعلا لارادة العبد واختياره لافعاله الارادية بقوله:"لئن انجانا من هذه لنكونن من الشاكرين" وهي موطن التكليف ومحل الابتلاء من ناحية افعال العبد الاختيارية وكون العبد يختار العبودية لله او لغيره. وتقريرا لهذه الحقيقة وان العبد هو من يختار قال تعالى بعدها:"قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون"، اي هو وحده مالك التصرف في الكون وهو الفعال لما يريد، ولا يكون الا ما اراد، فإن اراد تنجيتكم من اقدار الله المؤلمة ومن اي كرب حصل مراده، والا فلا نجاة بدونه، وفي نفس الوقت قرر كذلك وجود ارادة للعبد للاختيار بين العبودية لله او لغيره بقوله:"ثم انتم تشركون" ، اي انتم تختارون الشرك بدلا من التوحيد والشكر.
هذه حقيقة القدر والايمان به بينها الله بيانا سلسا واضحا غير ملتبس، حيث تتجلى فيه حكمته وقهره ورحمته لمن تأمل افعال الله في ملكوته. فمقتضى الايمان بالقدر الايمان بعلم الله المحيط الشامل لكل شئ وايماننا انه قد كتب ذلك في اللوح المحفوظ وانه لا يكون في ملكوته الا ما اراد، وانه قد كلف العباد باوامر جعلهم قادرين على التمييز والاختيار، وهو حقيقة التكليف، وان كل شئ في ملكوته هو مخلوق لله جل وعلا،،،، نسأل الله ايمانا راسخا وعلما نافعا وعلما متقبلا ومردا غير مخزن ولا فاضح،،، وصلى الله على نبينا محمد،،،،،
twitter.com@walshabani