جعل الله في شريعته السمحة جزاءات لأفعال توصف في اقل احوالها أنها اعمال فاسدة تنبع من مرض اعترى فاعلها، وما كانت تلك الجزاءات والاحكام التي شرعها الله العليم بعباده الا لحماية الضروريات الخمس: الدين والنفس والعقل والعرض والمال. وانك لتعجب من تقرير الله تعالى بأن القصاص حياة لنا، ولعلنا أن نبحر معا لنتعرف على تلك الحياة التي من الله تعالى بها علينا.
وردت هذه الاية في معرض قتل القاتل العمد " كتب عليكم القصاص في القتلى"، وبعد أن قرر أن الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى عقب بهذه الاية ولكم في القصاص حياة. كيف يكون في قتل القاتل حياة مع أنه حسابياً قد ذهبت نفسان: نفس القاتل والمقتول؟ وكيف يكون جلد شارب الخمر وقطع يد السارق وجلد الزاني غير المحصن وقتل الزاني المحصن حياة؟ الحقيقة أن كلمة حياة في الآية أتت نكرة لتعم وتشمل روعة الحياة وجمالها بأفقها الواسع، فهي حياة آمنة، حياة عادلة، حياة واعية، حياة كريمة، حياة مطمئنة، حياة تتوق لها البشرية.
أن القصاص يجعل الحياة آمنة، فيعيش المسلم آمنا على نفسه وعرضه وماله لا يخشى تعدي ضعاف النفوس عليها. والقصاص يشيع في المجتمع العدل، فيشعر المرء بأن حقه لا يضيع وأن الشريعة كفلت له أخذ حقه بما يرضي الله في الدارين. كما أن القصاص يمد الحياة بالكرامة فيعيش افراد المجتمع ملؤهم العزة فلا يخطر ببال احدهم تسلط صاحب سلطان أو جاه أو مال على أنفسهم واعراضهم وأموالهم. القصاص يشيع في المجتمع الطمأنينة والسكينة، فلا قلق أو توتر ناتج عن رهبة أو خوف فوات مصلحة أوظلم لا يُدفع أو قهر للنفس عند التعدي عليها بأي وجه من التعدي. القصاص يعزز مبدأ وضوح الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع فيكون المجتمع مدنيا حضاريا واعيا.
هذه الحياة التي بشر الله تعالى بها عند الانصياع لأمره وتنفيذ أحكامه بقوله "ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب لعلكم تتقون" يسعى سفهاء الأحلام وضعاف النفوس لسلبها من المجتمع المسلم بدعوى التحضر ومواكبة العولمة وأنظمة الامم المتحدة، وبدعاوى الرحمة والبعد عن البشاعة وغير ذلك من دعاوى الجاهلية التي هي في ذاتها هدم للحياة التي ارادها الله تعالى لنا في هذه الحياة الدنيا، حياة الأمن والآمان والسلامة والاسلام. فهل من مدافع لهذه الدعاوى من خلال تأصيل تلك الاحكام في أرض الواقع والسعي لتثقيف الامة حيال دينها وشريعتها بما يكفل دفاع عوام المسلمين فضلا عن علماءهم ومثقفيهم عن احكام شريعتنا السمحة؟ أرجو ذلك وأتمناه...