لا تحزن إن الله معنا
.::مركز الإحتراف المحاسبي للتدريب::.

 

"لا تحزن إن الله معنا"

د. وليد الشباني

حادثة الهجرة النبوية من مكة الى المدينة لتحكي لنا عن دروس وعبر تستحق التأمل والاستلهام. اشار تبارك وتعالى لحادثة الهجرة في قوله تعالى :" الا تنصروه فقد نصره الله اذ اخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا، فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم". ذكر الله نصرته لنبيه صلى الله عليه وسلم في حادثة الهجرة في سورة التوبة مشيرا بشكل بديع للشعور النفسي الذي واكب الرفيقين في رحلتهما لله تعالى. تأمل معي رحمك الله تعالى ، ففي أكثر اللحظات حرجا في هجرتهما، وهما في الغار والمشركون فوق رؤوسهم، قال صلى الله عليه وسلم لصاحبه:"لا تحزن"، عجيب؟!. لاحظ ، هما في وضع يثير الرعب والخوف من أن يراهم المشركون فيفتكوا بهم وهم أشد الناس حرصا على الظفر به، ومع ذلك قال :"لا تحزن" ولم يقل " لا تخف". عجيب!؟ .

 المؤمنون الصادقون الذين يؤمنون بالغيب يدركون حقيقة الموت والحياة ويعلمون أن المحيي المميت هو الله وأن الدار الآخرة هي الحيوان، ولذلك، لم يدر بخلد الصديق الخوف من الموت وفراق الدنيا بمن فيها، حيث كان هذا ظاهرا في سلوكه أثناء رفقته لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الى المدينة. الصديقرضي الله عنه بلغ من خشيته وخوفه على النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمشي بين يديه ساعة، وخلفه ساعة، ومرة أمامه ومرة خلفه، فسأله عليه الصلاة والسلام؟ فقال: يا رسول الله أذكر الطلب -أذكر الناس الذين يطلبونك- فأمشي خلفك حماية لظهرك، وأذكر الرصد -الذين يترصدون- فأمشي أمامك، فقال:لو كان شيئاً أحببت أن تُقتل دوني؟ قال: إي والذي بعثك بالحق. إذن، لم يكن الخوف من الموت أو من العدو واردا في حس الصديق، بل كان شيئا اعظم من ذلك يليق بمكانة الصديق رضي الله عنه وبشرف الهجرة مع نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، إنه حزنه من أن تفقد البشرية هذا الهدى والنور الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم, وأن لا ترتوي من معين النبوة الصافي ما يحقق لها السعادة في الدارين. إنه الحزن من فقد الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم صلى الله عليه وسلم، إنه الحزن من فقد الذي "ما خُير بين أمرين الا اختار أيسرهما" ومن فقد الذي قيل فيه  "إنك لعلى خلق عظيم" ومن فقد الذي هو "بالمؤمنين رؤوف رحيم". كما أنه الحزن على قومه كيف أنهم يسعون ليُطفئوا نور الله الذي هم بأمس الحاجة إليه، وكيف ذهبت عقولهم فلم تستطع أن تميز الحياة من الموت والهداية من الضلالة والحق من الباطل. أنه حزن على واقعِ يُحارب الله ورسوله وعلى مستقبلِ يخاف أن يبقى كالحاضر البئيس. فجاءه جواب من لا ينطق عن الهوى:"لا تحزن إن الله معنا"، والله متم نوره ولو كره المشركون ولو كره الكافرون.

أحبتي، هل لنا في شعور واحساس مثل احساس ابي بكر وشعوره، شعور بالحزن لانتشار الجهل بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وشعور بالحزن على حكام وقادة بلاد المسلمين من أمراء ووزراء كيف لا يرون أن عزهم ومصدر قوتهم ونصرهم في هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم. وهل لنا في شعور بالحزن لابتعاد المجتمعات الانسانية عن هدي النبوة الصافي؟. فهل من وقفة جادة ناصحة لله ولرسوله ولعامة المسلمين وخاصتهم لاحياء السنة المحمدية بجميع جوانبها واماتة البدعة والشرك ونبذ الخلاف وراء ظهورنا والسعي الحثيث لأن تتبوأ هذه الأمة مكانتها التي ارادها الله لها "كنتم خير أمة اخرجت للناس"؟ لا تحزنوا إن الله معنا......